منتديات ريم الغلا - حفلة غير تنكّرية

حفلة غير تنكّرية

"خجلتُ من نفسي عندما أدركتُ,أنّ الحياة حفلة تنكرية وأنا حضرتها بوجهي الحقيقي" فرانس كافكا

*****

كانَ أكثرَ ما يزعجُ الدكتور جمال هو تلبية الدعوات الاجتماعية و حضور المناسبات المختلفة و التي برأيه تتسم بالرياء و النفاق و المغالاة و زيف المشاعر ...

لم يكنْ الدكتور جمال أبداً إنساناً إنطوائياً أو محباً للعزلة, بل على العكس تماماً, فهو يحيط نفسه بدائرةٍ واسعةٍ من المعارفِ و الذي تربطه بهم علاقاتٌ جيدةٌ و صلاتٌ متينةٌ وثيقةٌ ليس فقط بحكم مكانته الاجتماعية البارزة كطبيب شهير و لكن أيضاً لأنه ينحدرُ من طبقةٍ نبيلةٍ و أسرةٍ عريقةٍ معروفة جداً في أنحاء تلك المدينة الكبيرة..
كالعادة.. وصلتْ عيادته دعوة جديدة ظُهرَ ذلك اليوم , فَتَحَ المُغلَّف الأنيق و أَخذَ يقرأ بإهتمامٍ شديد حتى استوقفته عبارة حفلة تنكرية ..!!
ما هذا الهراء؟ دعوةٌ لحضور حفلة تنكرية و يشترط أنْ يكون المدعوون يرتدون ملابسَ تنكرية ملائمة ..!!
يا له من تحدٍ مثير ..!! لا أنكر أنه أيقظَ بداخلي رغبات جامحة في معرفة و إكتشاف هذا النوع من الحفلات و الذي لم يسبق لي أن شاركتُ فيه من قبل ,كنت فقط أسمع به أو أشاهده على شاشات التلفزة أو في الأفلام الأجنبية دون أن يخطر ببالي أن أعرف الكثير عن تفاصيله و ظروفه , التوقيت والمكان مناسبان تماماً , في فيلا جميلة عند أطراف المدينة و صاحب الدعوة هو السيد كمال ,الصديق الثري لصديقي طبيب العيون الدكتور أشرف , يبدو الأمرُ مُسلياً , لن أفوّتَ فرصةً كهذه ,سأُلبي هذه الدعوة بالتأكيد قال الدكتور في سرّه...
في صباح اليوم التالي و قبل يومين من موعد الدعوة و بعد أن أمضى الدكتور جمال ليلته و هو يفكر في الزي التنكري و الذي سيختاره لحضور تلك الحفلة و خاصةً أنه يتمتع بشخصيةٍ فريدة و مستقلة و لا يحب تقليد أحد أو أن يكون كلاسيكياً نمطيّاً , سيختار شيئاً غرائبيّاً مميزاً خارجاً عن كل ما هو مألوف , عليه أن يُقرر اليوم حتى يُكمل استعداده بشكل جيد للحفلة المنتظرة , أخذ يُقلّب في أفكاره و يستعرض شريط رغباته حتى وقع إختياره أخيراً على الزي التنكري الخاص و الذي سوف يحضر به حفلته المرتقبة...
في يومِ الحفلة الموعود,إكتظّ المدخل الرئيسي لفيلا السيد كمال بأساطيل فارهة من السيارات و المواكب كما اصطفَّت حولها جموع هائلة من السائقين و المرافقين , لا عجب في هذا الأمر و بالأخص لو علمنا أن شخصيات مجتمعية هامة و أصحاب نفوذ مالي كبير هم من أبرزِ الحاضرين هذا المساء ...
وَصَلَ الدكتور جمال و ركن سيارته المتواضعة خارج الفيلا الكبيرة في مكانٍ متطرفٍ بعض الشيء , استقبله المُضيف عند باب الفيلا المزيّن و المزخرف بأبهى التصاميم و الديكورات الباهرة , فاجأه صاحب الدعوة بالقول:
"أهلاً دكتور جمال" , " لنا شرف قدومك و مشاركتنا حفلتنا المتواضعة"
دَخَلَ الدكتور جمال قاعةَ البهو الكبيرة حيث يتواجد المدعوون (المهمّون) , نَظَرَ إليه الجميع و بإبتسامةٍ واسعةٍ رَحّبوا به , و على شفاههم كنت تستطيع أن تقرأ كلماتهم الخافتة :
" أهلاً يا دكتور"
لقد عَرَفَهُ الجميع , جميع من هم في هذه الحفلة التنكرية الراقية إلا أنَّ الدكتور جمال لم يستطع أن يتعرّف على أحدٍ منهم .!

مما راق لي