ن
في بهو إحدى الدوائر القضائية، جلس إلى جواري مراجع مرتبك يبدو من هيئته أنها الوهلة الأولى التي يدخل فيها محكمة، وما إن بدأنا الحديث حتى أخذ يفضفض لي قائلاً: أعمل مندوب تسويق بشركة، وأتقاضى إلى جانب راتبي البسيط عمولة لا بأس بها، كنت خلال السنوات الماضية أتعرض لتدخلات كثيرة في عملي من بعض الزملاء بهدف سرقة مجهودي، لكن المدير المسؤول كان يقف لهم بالمرصاد ويجير العمولة كاملة لحسابي، كنت أنظر إليه بإعجاب وأراه قدوتي بالحياة، حتى دخلت الشركة في أزمة مالية، وذهبت لأصرف عمولتي عن الأعمال الكبيرة التي جلبتها مؤخراً، لكنهم قالوا لي: المدير شرح على المعاملة بأنك لا تستحق أي عمولة.. ومنـح أحد الزملاء مكافأة رمزية عنها!؟
لا أعلم ماذا حصل ولكني تعلمت درساً من دروس الحياة فمنذ ذلك الحين وأنا اهيئ نفسي ليس فقط لمواجهة الظروف المالية المتأزمة، وإنما لمواجهة التغيرات الجذرية التي ستطرأ على نفوس وتعاملات الناس من حولي.
,،
في الغد القريب، قد لا تجد ذلك الصديق الذي اعتدت على سخائه وبقائه إلى جانبك حتى في أحلك الظروف، قد يزداد الشقاق بين ذلك الزوج وزوجته بعد أن نفد صبرها وتأكد لها بأن الأوضاع المتردية شبه أبدية، قد يصبح ذلك الشاب الذي يطمح للحصول على فرصة عمل أكثر عزلة وأكثر قابلية للانحراف، قد تمتد الخلافات بين الإخوة وتتوسع الضغائن والشكاوى بين الورثة، قد يحدث كل ذلك وأكثر، متى تمادى الإنسان في إهمال قيمه ومشاعره وبات ينظر للأمور بشكل مادي !؟
في النهاية علينا أن نؤمن تماماً بأن الفلوس بالرغم من أهميتها، إلا أنها قد تتعوض لكن النفوس لا يمكن أن تتعوض.